|
|
|
Archivio - أرشيف |
|
|
معاداة السامية وكراهية الإسلام
|
|
«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت
|
عن جريدة الأحداث المغربية
عبد الهادي بوطالب
من بين الأنباء العالمية المثيرة للانتباه التي روَّج لها الإعلام الأسبوعَ المنصرم نبأ من واشنطن جاء فيه أن "تـُومْ لانطوس" عضو الكونغريس الأميريكي والنائب بمجلس النواب المنتمي إلى الحزب الديمقراطي تقدم بمقترح قانون إلى "الكونغريس" يقضي بإحداث خلية بوزارة الخارجية لمراقبة ومتابعة انتشار ظاهرة معاداة السامية عبر العالم بمختـلف دوله وأقطاره، وتصنيف العالم - على ضوء ذلك- إلى من يعادي السامية ويكره اليهود، ومن هو سليم من هذا الوباء العنصري"، على أن تتخذ الولايات المتحدة الأميريكية موقفا صارما من الأقطار المعادية للسامية، بهدف القضاء على هذه النزعة العنصرية وتطهير العالم منها.
ومما تضمنه هذا النبأ الإشارة إلى أن النائب الأميريكي المحترم يهـودي، وأنه هـو النائـب اليهـودي الوحـيـد الذي ما يزال حيا من بين جيـل المحـرقة الـنازية ("Holocauste" بالفـرنـسـية و"Holocaust" بالإنجليزية)، وأن الذي دفعه إلى التقدم بمشروع القانون هذا هو ملاحظته انتشار معاداة السامية في العالم وتصاعد حجمها وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط. ثم جاء نبأ آخر يقول : إن المشروع نال التصويت عليه من مجلسي الكونغريس (النواب والشيوخ)، وإن المجلسين حددا لوزارة الخارجية الأميريكية مهمة إحصاء حالات معاداة السامية عبر العالم وتحديد مواقعها، والتعرف على موقف الحكومات العالمية منها، ثم تصنيف كل نظام سياسي عالمي توجد فيه هذه الظاهرة على أنه نظام موبوء يجب معاقبته واتخاذ التدابير الزجرية اللازمة ضده.
كما جاء في الأنباء أن هذا القانون يُلزم وزارة الخارجية الأميريكية بأن تقوم كل سنة بجرد إحصائي دقيق للدول الموبوءة وتـُعِـدّ تقريرا مفصلا تقدمه للبيت الأبيض والكونغريس الأميريكي ليتخذا التدابير اللازمة لمعاقبة العالم الموبوء بمعاداة السامية. كما أنه مطلوب بمقتضى هذا القانون من وزارة الخارجية الأميريكية أن تقوم بإعداد مخطط استراتيجي لضبط محاربة معاداة السامية بقصد القضاء عليها حيثما توجد عبر العالم. وقد رحب عدد من الفعاليات السياسية والمنظمات والجمعيات الأميريكية بهذا القانون، وخاصة الجمعيات اليهودية والمنظمات المناهضة للعنصرية.
وقال عنه "جُويل شنيدر" رئيس الجمعية اليهودية المسماة "المجلس الوطني للشعب اليهودي" :" إنه يهنئ نفسه لكون الكونغريس أنشأ أدوات وآليات جديدة وذات فعالية لمحاربة معاداة السامية".
وواكب صدورَ هذا النبأ نبأٌ آخر قال إن وزير الخارجية الأميريكية "كولين باول" أعلن تحفظه على هذا القانون، لأنه يعتبره لا يضيف شيئا إلى ما تقوم به وزارته من تتبع دائم لمعاداة السامية والتعرف على الأقطار التي توجد فيها هذه الظاهرة. وأضاف أنه يخشى على الولايات المتحدة من أن يُـؤوَّل هذا القانون على أنه تَـحيُّـز لليهود، على حساب مكافحة الظواهر العنصرية الأخرى التي تعادي شعوبا وأعراقا وديانات، والتي لم ترد في القانون الجديد.
وبمجرد ما صدر القانون عن الكونغريس بادر الرئيس "بوش" بسرعة قياسية إلى الإمضاء عليه ليصبح نافذ المفعول، وسارع للإعلان عن ذلك من ولاية فلوريدا التي يوجد فيها أكبر تجمع لليهود لا يوجد مثله عددا في ولايات أميريكية أخرى. كما أعلن أنه وجه رسالة إلى وزيره في الخارجية يأمره فيها بتطبيق القانون. وهو ما يعني أن على "كولين باول" أن يختار بين التخلي عن تحفظه أو إقالته. والخيار الوحيد الذي يملكه الوزير هو تطبيق القانون بالشكل الذي يريده الرئيس الأميريكي وربما بإظهار المزيد من الحماس في تطبيقه. أود أن أفتح استطرادا أو أن أضع بين قوسين الفقرة التالية لإفادة بعض القراء الذين يحتاجون إلى شرح مصطلح معاداة السامية : (تعني السامية- في مصطلحها الأصلي- الانتماء إلى سلالة (أو ذرية) سام ابن النبي نوح عليه السلام. وكان لنوح ابنٌ آخر حمل اسم حام. ومن سام بن نوح انحدرت شعوب سكنت أساسا بلاد الشام والجزيرة العربية، وبلاد الرافدين : (دجلة والفرات). كما سكنت شبه الجزيرة العربية والحبشة وشمال افريقيا. وهذه الشعوب هي : العبرانيون، واليهود، والعرب، والسومَّريون، والآشوريون، والبابليون، والكنعانيون، والفينيقيون، والآراميون، والسوريان. ويطلق على لغات هذه الشعوب اسم اللغات السامية : كاللغة العربية واللغة العبرية. لكن الصهيونية العالمية اختطفت "السامية" واحتكرتها وحصرتها في اليهود، وحولت معاداة السامية إلى نزعة كراهية اليهود، وتم هذا التحول خاصة بعد اضطهاد النازية الهتـليرية لليهود في القرن العشرين، وتنظيرها لمعاداة اليهودية).
ونعود بعد هذا الاستطراد لنقول : لقد كان "كولين باول" على حق في تخوفه على بلاده من صدور هذا القانون. وكان حصيف الرأي حينما قال إن هذا القانون سيُـؤوَّل من لدن الشعوب والأقطار التي تشكو من معاداتها من لدن العنصريين المتعصبين الذين يعادون دينها أو عرقها أو حضارتها.
وصدور قانون لمناهضة كراهية اليهود عمل حضاري لا يمكن أن يعارضه إلا دعاة العنصرية وهم أقلية في العالم، لكن كان يمكن لهذا القانون أن يحظى بالقبول والارتياح أكثر من لدن العالم كله لو أنه قنن لمحاربة جميع أشكال النزعة العنصرية ضد شعوب أخرى، ولم يقتصر على معاداة اليهود. والمخاوف التي أبداها الوزير الأميريكي على بلاده واردة بكل تأكيد، خاصة إذا ما أرجع البعض سبب صدور القانون إلى ارتباطه بالانتخابات الرئاسية المقبلة. وهذا ما تجلى في اختيار الرئيس بوش لولاية فلوريدا مجمَّع اليهود الأكبر ليعلن منها عن إمضائه على القرار وفيها حض وزيره في الخارجية عن التخلي عن تحفظه.
لم يتمالك "جون كيري" بدوره عن تأيـيـد القانون، حتى لا يترك لغريمه "بوش" فرصة المزايدة عليه في التودد إلى الأصوات اليهودية. أليس هو الذي أعلن أنه سيخص إسرائيل بهدية قيامه بزيارته الرسمية إلى القدس التي ستكون زيارته لها أولى رحلاته إلى الخارج، وأنه سيكون أشد قسوة على عرفات من "بوش".
ماذا كان يضير الولايات المتحدة أن يصدر فيها قانون شامل لمناهضة كل نزعة عنصرية تعادي الأعراق والهُـويات والديانات، ومنها ظاهرة كراهية الإسلام Islamophobia (إسلاموفوبـيا) التي نشرتها السياسة الأميريكية منذ أن تخبط الرئيس الأميريكي على غير هدى في حمأة الخلط بين الإرهاب والإسلام، وبين المقاومة المشروعة والإرهاب المُدان. وأخوف ما أخافه أن تتسرب عدوى الخلط بين معاداة السامية (أو كراهية اليهود)، وبين انتقاد سياسة إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين، والتنديد بحربها الفظيعة التي تحرق الأخضر واليابس. وما أخافه أكثر أن يكون الرئيس "بوش" يراهن على إعلان حرب مشابهة لحرب الإرهاب باسم محاربة معاداة السامية التي قد يصنِّف هو وإسرائيل في خانتها كل من انتقد سياسة إسرائيل أو امتنع عن التطبيع معها أو قطَّب عابسا في وجهها.
آمل أن لا يكون الرئيس "بوش" يعمل ليشغـل الرأي العام الأميريكي بمشروع حرب ثالثة- بعد حربي أفغانستان والعراق- يملأ بها ولاية الأربع سنوات المقبلة إذا ما فاز في الانتخابات، وأن يتلمس لخوض هذه الحرب ما يشبه الذرائع التي توسل بها لإضفاء الشرعية على الحربين المستمرتين الحافلتين بالمفاجآت، وأن يعيد سيرته الأولى ليتبين في النهاية أن ذرائعه ليس لها من الصحة أساس، وأن يظل يراهن - وهو الذي قال عن نفسه إنه رئيس حرب- على أن يكسب على الأقل واحدة من الحروب التي أعلنها ويوالي إعلانها على أشباح يعطيها وجوها مُقـنَّعة، وهُوية مغلوطة. وفي هذا الأسبوع قرأت أيضا ما يفيد أن بعض اليهود يسارع إلى اتهام الغير بمعاداة السامية دون أن تتوفر لاتهامه حجة أو دليل. كان ذلك هو ما فعله اليهودي الفرنسي "روجي كوكييرمان" رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا بعد أن شاهد شريطا قدمته قناة "أرتي" بعنوان "باب الشمس" عن حرب إسرائيل على فلسطين لم يزد على إعادة تقديم صور العدوان الإسرائيلي التي قدمتها الفضائيات العالمية قبل، فنشر رسالة مفتوحة بتاريخ رابع أكتوبر الجاري إلى إدارة "أرتي" يقول فيها : " إن القناة تُروِّج لمعاداة السامية، وأن الانتصار للفلسطينيين ما هو إلا كراهية لليهود".
وإذا ما عملت وزارة الخارجية الأميريكية بهذا المعيار في إعداد تقريرها السنوي عن معاداة السامية فستجد العالم كله يعادي السامية. وستكون الحرب التي ستعلنها الولايات المتحدة على هذه الظاهرة العنصرية تلاعبا بالنار، وركوبا لمغامرة تحويل العالم إلى فضاءات مشتعلة فاقدة الأمان والاستقرار. وما أخطر عواقب هذه السياسة ! إن إخماد نار كراهية اليهود ممكن وسهل. سبيله الوحيد هو تغيير إسرائيل سياستها تجاه الفلسطينيين والعرب، وانخراطها في المنظومة السياسية الحضارية المعاصرة، باحترامها للشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي.
أما إقصاء كراهية الولايات المتحدة أو على الأصح كراهية سياسة الولايات المتحدة فلا يتحقق بدون أن تكف الولايات المتحدة عن إذكاء كراهية الإسلام وباعتمادها خط الوسطية في معالجة النزاع الإسرائيلي العربي، ومسارعتها إلى تقديم اعتذار للعالم العربي الإسلامي عما جنته الإدارة الجمهورية عليه بسبب خلطها بين الإسلام المسالم، والإرهاب العالمي العدواني، وبين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وبين مفهوم الدفاع عن النفس، ومفهوم العدوان الصارخ.
|
نُشر هذا الخبر بتاريخ: |
25.10.2004 |
:Notizia pubblicata in data |
|
:: الموضوعات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع :: |
2006 © عرب.إت |
|
|
|
|
|
|
| Copyright © A R C O SERVICE 1996-2006. All rights reserved. Tutti i diritti riservati.
E-mail: info@arab.it Tel: + 39 010 5702411 / Fax: + 39 010 8682350
|
|
|