|
|
|
Archivio - أرشيف |
|
|
الانتخابات الأميركية.. فاز بوش وخسرت أميركا
|
|
«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت
|
عن موقع الجزيرة نت
انتصر الرئيس بوش وحزبه الجمهوري نصرا مؤزرا في الانتخابات، وتبدلت معالم المسرح السياسي الأميركي. ولم تتوقف مظاهر النجاح الجمهوري على بقاء الرئيس بوش في البيت الأبيض، بعد أن حصل على نتائج مريحة محت ذاكرة النجاح المشكوك فيه عام 2000، وإنما سيطر الحزب على مجلسي النواب والشيوخ أيضا، فجمع في يديه السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فما هو سر هذا النجاح؟ وما هي آثاره على أميركا في علاقاتها بالعالم، خصوصا الدول العربية والإسلامية؟
سفر أيوب
في مطلع هذا العام أجرى أحد الصحفيين حوارا مع أحد المترشحين الديمقراطيين للرئاسة الأميركية وهو هاوارد دِينْ الذي حاول أن يتباهى بأنه يعرف عن الدين كما يعرف غيره، على عكس ما يقول خصومه الجمهوريون المحافظون، فسأله الصحفي "أي أسفار العهد الجديد يعجبك أكثر"؟ فأجاب دين "سفر أيوب".
ولما كان سفر أيوب هو أحد أسفار العهد القديم لا العهد الجديد، فقد تحول الأمر إلى فضيحة سياسية ألقت بظلالها على أهلية هاوارد دين للترشح، حتى انسحب في النهاية تاركا الفرصة للمرشح جون كيري.
ولم يكن كيري أحسن حالا من دين في معرفته والتزامه بالدين، وإن كان أكثر تواضعا وأقل تبجحا بمعارفه الدينية.
وتكشف محنة هاوارد دين عن حقيقة عميقة في الثقافة السياسية الأميركية، وهي أن الشعب الأميركي شعب عميق التدين، وأن مرشحا لا يميز أسفار "الكتاب المقدس" غير جدير بالقيادة في نظر هذا الشعب.
فليس لمرشح هذا شأنه –سواء كان دينْ أو كيري- أن يقف في وجه المرشح جورج بوش الذي يتباهى بأنه يبدأ جدول يومه كل صباح بقراءة "الكتاب المقدس" وإطعام كلبه وإعداد القهوة لزوجته، وهذه معالم أساسية في الثقافة الأميركية التقليدية..
وطبقا لصحيفة نيويورك تايمز فإن ثلث الناخبين الأميركيين الذين أدلوا بأصواتهم في هذا الأسبوع عرَّفوا أنفسهم على أنهم أصوليون إنجيليون، وصعود الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة من أعظم الظواهر الاجتماعية والسياسية في عالم اليوم، وهي ظاهرة ارتبطت بالكثير من السطحية والروح العدائية الاستعلائية في التعاطي مع العالم.
لكن مهما يكن الدور السلبي للدين في السياسة الأميركية الحالية، فإن الدين سيظل أهم ظاهرة في المجتمع الأميركي في الأمد المنظور, وتكمن عبقرية بوش في إدراكه أثر الدين في تصويت غالبية الأميركيين، بينما تكمن نقطة ضعف كيري في إغفال ذلك.
ولذلك نصح نيكولاس كريستوف –وهو صحفي ليبرالي في نيويورك تايمز- الديمقراطيين باستعمال ما دعاه "الذخيرة الإنجيلية" ضد الجمهوريين، إذا كان لهم أن يستعيدوا شيئا من قوتهم السياسية.
أما الحاخام مايكل لرنر -وهو من رموز اليسار الأميركي- فقد دعا إلى بناء "يسار متدين" في أميركا لمواجهة اليمين الصاعد. وهذه كلها مؤشرات متعاضدة تدل على أن الدين هو المدخل المؤثر في السياسة الأميركية في الظروف الحالية.
الرب المتحزب
ويبقى التحدي الأعظم هو كيف يفهم الأميركيون دينهم بطريقة تخدم السلم والعدل والتعايش مع الآخرين على أساس البر والقسط، وهذا أمر لا يهم الأصوليين الأميركيين كثيرا.
وكان المجلس العالمي للكنائس في جنيف –وهو أكبر تجمع للكنائس غير الكاثوليكية في العالم– أصدر رسالة ندد فيها باستغلال الدين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، منتقدا "الدعاوى العريضة" التي أطلقها بوش وحزبه الجمهوري في الانتخابات حول وقوف "الرب" إلى جانبهم، ومضيفا أن الجمهوريين جعلوا من الرب "ربا حزبيا"، وأن ذلك يثير القلق عبر العالم أجمعه.
على أن إقحام الدين في السياسة الأميركية ليس كله سلبيا، بل هو أمر إيجابي فيما يتعلق بالقيم الاجتماعية، وقد لاحظ أكثر من محلل سياسي أن أغلب الأميركيين صوتوا في هذه الانتخابات ضد مصالحهم الاقتصادية وأمنهم القومي، حفاظا على ما اعتبروه قيما أساسية يهدد ضياعها بتمزق لحمة المجتمع، مثل قيمة الأسرة باعتبارها تعاقدا بين رجل وامرأة.
وقد أحس هؤلاء بخطر الثقافة الليبرالية المغالية التي تتبناها بعض مكونات الحزب الديمقراطي، والتي تروج الشذوذ الجنسي، بل تسعى إلى اعتباره زواجا شرعيا. ورغم إيمان هؤلاء بأن كيري أفضل من بوش في مجال السياسة الاقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكانة أميركا عالميا، فإن إحساسهم بالتهديد الذي تواجهه قيم المجتمع الأساسية دفعهم إلى أحضان جورج بوش.
وقد عبر أغلب الناخبين الأميركيين عن اهتمامهم "بالقيم الأخلاقية" أكثر من اهتمامهم بالحرب في العراق أو بالمشكلات الاقتصادية. والمقصود بالقيم الأخلاقية هي قضايا الأسرة والكنيسة أساسا.
لقد استطاع جورج بوش أن يحرك القوى الإنجيلية الضاربة لصالحه، وهي قوى تملك إمكانات مالية وإعلامية هائلة، كما أنها حسنة التنظيم، قريبة من الناس. ومن الواضح أن عامة الأميركيين لا يهتمون بزيادة غنى الغني، وتضاعُف فقر الفقير، ومخاطر العداء الصاعد لبلدهم.. ما دام الوعاظون الإنجيليون يعدونهم بقرب عودة المسيح ويعبئونهم لها.
دموع التماسيح
من المعروف أن الصوت اليهودي صوت مؤثر في الانتخابات بنوعه لا بكمه، بحكم اتحاد اليهود الأميركيين وقوتهم المالية والإعلامية. ومن الظواهر المثيرة للاهتمام في المسرح السياسي الأميركي رحيل الصوت اليهودي تدريجيا من الحزب الديمقراطي ذي التوجهات الليبرالية إلى الحزب الجمهوري ذي التوجهات الأصولية المسيحية، والسبب تركيب غريب من الاعتقادات الدينية والمصالح السياسية.
فقد تحول اليمين المسيحي منذ عقدين إلى أقوى داعم لإسرائيل في أميركا، بعد أن كان اليهود يراهنون على القوى الليبرالية باعتبارها أكثر تسامحا وتفهما للآخر. وأدرك المثقفون الحركيون اليهود -المعروفون باسم "المحافظين الجدد"- عمق التحول في الحياة الدينية الأميركية خلال العقدين المنصرمين، واستوعبوا آثار ذلك على نظرة رجال الدين المسيحيين البروتستانت في أميركا لصالح اليهود واليهودية وإسرائيل.
وليس من الغريب أن يميل اليهود الأميركيون إلى الجمهوريين الذين يعتبرون دعم إسرائيل جزءا من عقيدتهم المسيحية، ويفهمون قول العهد القديم "طيبوا خاطر إسرائيل" فهما حرفيا، على حساب الديمقراطيين الذين يعتبرون دعمها مصلحة قومية أو قضية إستراتيجية.
وقد أثار اليهود الأميركيون والإسرائيليون –خصوصا اليمينيين منهم– الكثير من الريبة حول دوافع جون كيري وإخلاصه لإسرائيل. ومن طرائف ذلك ما كتبه الكاتب الإسرائيلي زئيف شافيتز في مجلة "العالم اليهودي" Jewish World Review يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2004، حيث ذكر قصة قديمة عن جون كيري مثيرة للاهتمام، وربما كان تأويل الإسرائيليين لها أكثر إثارة.
فقد ذكر الكاتب أن جون كيري زار إسرائيل في الثمانينات وتجول في متحف الهولوكوست هناك، ثم خرج من المتحف كسيف البال، بادي الحزن، لكن عينيه كانتا "جافتين" حسب تعبير الكاتب. فحدثه المرافق الإسرائيلي أن آل غور حينما زار المتحف قبله ذرف الدموع على الضحايا.. فلم يكن من كيري إلا أن استأذن ودخل غرفة وحده، ثم خرج منها بعد دقائق وهو يمسح الدموع من عينيه. لكن الكاتب الإسرائيلي اعتبر دموع كيري مفتعلة افتعالا سياسيا، وليست نابعة من القلب.
وتلخص هذه القصة رؤية اليهود الأميركيين للقوى الليبرالية والقوى الأصولية في الولايات المتحدة، فالقوى الليبرالية التي يجسدها الحزب الديمقراطي تحب إسرائيل وتدعمها، لكنها محبة سياسية غير نابعة من الوجدان، ولا راسخة رسوخ الاعتقاد الجازم. أما القوى الأصولية المنضوية تحت لواء الحزب الجمهوري فمحبتها لإسرائيل لا مجاملة فيها ولا افتعال.
صحيح أن كلا من كيري وآل غور ديمقراطيان، لكن القصة تبقى معبرة. فمحبة إسرائيل -في رؤية اليهود الأميركيين والإسرائيليين- يجب أن تكون غراما يملك شغاف القلب لا افتعال فيه ولا مجاملة، وهو ما لم يفلح كيري في البرهنة عليه فيما يبدو.
ومهما يكن فإن انتصار جورج بوش يؤكد أن الناخب الأميركي لم يتغير كثيرا خلال السنوات الأربع الماضية، وأن الثقافة السياسية الأميركية لها خصوصياتها التي يحتاج العرب والمسلمون أن يفهموها.
أما على المستوى السياسي فقد أكدت نتائج الانتخابات أن الأميركيين –مثل الإسرائيليين– لا يزالون يرون في منهج العزلة حلا لمعضلتهم مع العالم، وأنهم يحتاجون وقتا أكثر لإدراك مخاطر هذه العزلة التي يعيشها كل من آثر القوة على الحق. لذا فليس من المبالغة القول إن انتصار بوش هزيمة لأميركا.
لقد كتبت صحيفة ديلي ميرور البريطانية ساخرة من الناخبين الأميركيين الذين انتخبوا بوش تحت عنوان "كيف يكون 59.054.087 شخصا بُلهاء؟"، في إشارة إلى عدد الذين صوتوا لبوش. وربما كان هذا العنوان معبرا عن حقيقة الثقافة السياسية الأميركية اليوم أكثر من أي عنوان آخر.
محمد بن المختار الشنقيطي
|
نُشر هذا الخبر بتاريخ: |
07.11.2004 |
:Notizia pubblicata in data |
|
:: الموضوعات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع :: |
2006 © عرب.إت |
|
|
|
|
|
|
| Copyright © A R C O SERVICE 1996-2006. All rights reserved. Tutti i diritti riservati.
E-mail: info@arab.it Tel: + 39 010 5702411 / Fax: + 39 010 8682350
|
|
|