|
|
|
Archivio - أرشيف |
|
|
الدستور المصري والرئاسة الفرعونية
|
|
«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت
|
عن جريدة الراية القطرية
هل يرث ابن مبارك عزبة مصر ؟
د. سعد الدين إبراهيم- كاتب مصري:
انعقد في الاسبوع الثالث من سبتمبر ،2004 المؤتمر السنوي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر.. وأتي المؤتمر هذا العام وسط ظروف وطنية وإقليمية ودولية أكثر حرجا من أية مرة سابقة، فمصريا تكالبت مشكلات النظام حتي وصلت حد الأزمة، فهناك مشكلة تباطؤ في النمو الاقتصادي للعام السابع علي التوالي أدي بدوره الي تفاقم مشكلة البطالة، وخاصة أمام الشباب في المرحلة العمرية الممتدة بين العشرين والثلاثين، حتي بات حلم خمسين بالمائة من هؤلاء الشباب هو الهجرة الي الخارج طلبا للخلاص من الأزمة في الداخل المصري، طبقا لما جاء في التقرير العربي للتنمية الإنسانية، الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخرا، وبلغ هذا الضيق مستويات غير مسبوقة، ولا يمضي أسبوع الا وتحمل الصحف المصرية اخبار عشرات المصريين الذين تغرق بهم القوارب المكدسة في مياه البحر المتوسط أثناء رحلة الهجرة غير الشرعية للبلدان الواقعة علي الجهة الشمالية، ومنذ عدة أسابيع حاول مئات منهم الهرب عن طريق ليبيا، ومنها شمالا الي مالطة أو ايطاليا، إلا انهم ردوا علي أعقابهم خاسرين، وتسلمتهم السلطات المصرية عند الحدود، وكدستهم هذه السلطات في شاحنات مصفحة بلا تهوية، ومضت بهم لعشرات الساعات بلا راحة، أو مأكل أو مشرب، فتوفي بعضهم اختناقا أو مات عطشا، وثار الرأي العام ثورة عارمة اضطرت معها السلطات المصرية إجراء تحقيق مع ضباط وجنود الشرطة المسؤولين عن عملية الترحيل غير الآدمية هذه، عبر الحدود المصرية الليبية، ثم احالتهم الي المحاكمة.
ولكن هذه الأحداث المروعة للمصريين البؤساء هي مجرد أعراض للأزمة الأعمق التي يلمسها معظم الناس، منذ سنوات، وبدأوا يرفعون عقيرتهم بالشكوي في الآونة الأخيرة وترجمت أحزاب المعارضة المصرية والإخوان المسلمين ومنظمات المجتمع المدني هذه الشكاوي والمظالم في صيحة واحدة وهي الاصلاح السياسي الشامل، وفي القلب من هذا الاصلاح تعديل الدستور، وإنهاء حالة الطواريء المفروضة منذ اغتيال أنور السادات عام 1981 اما المطالبة بتعديل الدستور فهي تتركز علي المواد الخاصة برئيس الجمهورية - من حيث طريقة اختياره وحدود سلطاته.
فالدستور المصري الحالي، والذي صدر عام 1971 يحتوي علي 211 مادة، تختص 30 مادة منها بحقوق وسلطات رئيس الجمهورية، وهي حقوق واسعة ومتشعبة منها انه القائد الأعلي للقوات المسلحة، ويرأس المجلس الأعلي للشرطة، والمجلس الأعلي للهيئات القضائية ويعين نائبا أو أكثر له، من أعضاء مجلس الشعب، وثلث أعضاء مجلس الشوري، رئيس الوزراء والمحافظين، والسفراء وغيرهم من كبار موظفي الدولة وممثليها وله سلطة عزلهم أو إنهاء أو تمديد خدمتهم، كما ان من سلطاته إعلان الحرب وحالة الطواريء واصدار مرسومات وقرارات جمهورية وأوامر عسكرية لها قوة القانون، ورئيس الجمهورية له سلطة حل مجلس الشعب، والدعوة الي الانتخابات والاستفتاءات العامة وتحديد موعدها.
في مقابل هذه السلطات الواسعة لا توجد إلا مادة واحدة (رقم 85) تنطوي علي محاسبة رئيس الجمهورية، وتقرأ: يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جريمة جنائية بناء علي اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب علي الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء ويقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولي نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل في الاتهام وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب، وإذا حكم بإدانته، أعفي من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخري .
وحتي هذه المادة اليتيمة ظلت حبرا علي ورق، حيث لم يصدر القانون المنصوص عليه في المادة، بتشكيل المحكمة، رغم مرور 33 سنة علي صدور الدستور، كما ان الرئيس الحالي - حسني مبارك - لم يعين نائبا له طيلة مدة رئاسته التي قاربت ربع قرن، رغم ان المادة 85 والمواد الثلاث السابقة لها في نفس الدستور تفترض وجود نائب للرئيس، وهو الأمر الذي اشتد الإلحاح عليه من المعارضة وفئات عديدة من الشعب، في ضوء اعتلال صحة الرئيس مبارك في الآونة الأخيرة - والتي لم يعد من الممكن التستر عليها بعد ان أغمي عليه يوم 13/11/2003 أثناء إلقاء خطابه في افتتاح الدورة التشريعية الجديدة لمجلسي الشعب والشوري، ثم بعد إجراء عملية جراحية له في ألمانيا في يوليو 2004.
ولكن الأنكي في شأن الدستور المصري المعيب هو الطريقة التي نص بها علي اختيار رئيس الجمهورية (المواد 75-78) وهي من خلال ترشيح اسم شخص واحد بواسطة ثلثي مجلس الشعب حيث يقترع عليه الشعب بنعم أو لا، فإذا لم يحصل علي الأغلبية يتم إعادة الاختيار بنفس هذه الطريقة غير المباشرة، والتي لا تنطوي علي أي تنافس أو انتخاب حقيقي مباشر.
والأسوأ من هذا وذاك ان المادة 77 تحدد مدة الرئاسة بست سنوات ميلادية ويجيز اعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أخري .
وهكذا قنن الدستور الحالي تخليد أو تحنيط شخص واحد في أعلي مناصب الديار المصرية، ولأن لهذا الشخص بحكم رئاسته هذه السلطات الواسعة، فإن الدستور قد أضاف الي صفتي التخليد أو التحنيط صفة التأليه ولأن المادة 85 التي تنطوي علي محاسبة الرئيس هي مادة جامدة لا حياة فيها، فإن الرئيس المصري بهاتين الصفتين قد تحول الي ما يشبه الفرعون في مصر القديمة، وهو الذي حولته ديانتهم وممارستهم الي مفهوم الملك، والإله (god king)، إن هذه الرئاسة شبه المملوكية - الإلهية، كان يمكن للمصريين ان يتسامحوا معها ويعيشوا في ظلها قديما، خاصة وانها كانت تنطوي علي مآثر جمة، ففي ظلها قادت مصر العالم القديم، وشيدت أقدم وأعظم حضاراته، أما في بدايات القرن الحادي والعشرين فإن المصريين يكتشفون انهم يعيشون في ظل نظام فرعوني بلا مآثر.
وليت الأمر اقتصر علي رئاسة - فرعونية بلا مآثر، ولكن امتداد هذه الرئاسة لمدة ربع قرن، دون تنافسية أو تدوير للنخبة الحاكمة، أصاب الدورة الدموية لمصر المجتمع بالاعتلال، وأصاب شرايين مصر الدولة بالتصلب.
ومع تصلب الشرايين اشتد الاستبداد بحكم السلطات الواسعة والمطلقة في نظام رئاسي فرعوني لا شريك له، ولا حسيب عليهم ولا رقيب، وقديما قال ابن خلدون ان السلطة مفسدة ... و السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وهذا هو حال نظام الرئاسة الفرعوني الذي بدأت البذور الجنينية لاستبداده في الدستور الحالي، وأدي استبداده الي فساد، ومن شأن الفساد ان يؤدي الي الخراب، وهذه الثلاثية البشعة - الاستبداد، الفساد، الخراب - هو ماتعيشه بلدان عديدة في الوطن العربي والعالم الثالث، وهذه الثلاثية هي نفسها التي أدت الي تقويض حتي واحدة من أقوي الدول في القرن العشرين، وهو الاتحاد السوفييتي، فقد أدي الحكم الاستبدادي الطويل أثناء زعامة الرفيق ليونيد بير جنيف للاتحاد السوفييتي الي فساده وتصلب شرايينه، وخرابه، ثم انهياره وزواله، ولأننا لا نريد هذا المصري البائس لمصر المحروسة، فإننا ننبه الي ان بداية الاصلاح الحقيقي للدولة والمجتمع هو تعديل الدستور، بحيث يفتح الباب لتنشيط الدورة الدموية المجتمعية من جديد وتليين شرايين الدولة.
أما الاعتذارات التي بدأ يطلقها النظام أو القريبون منه لتأجيل تعديل الدستور (انظر د. هالة مصطفي، في مسألة الإصلاح والدستور، الأهرام 18/9/2004) فهي لن تجدي فتيلا من ذلك الادعاء بأن الاحزاب السياسية المصرية القائمة لم تعرف لها فعالية من نشاط خارج نطاق صحفها ، وهو أمر صحيح الي حد ما، ولكن الكاتبة هنا تلوم الضحية، فهي لا تدرك ان الأحزاب المصرية الحالية قد اصابها الكساح أو شلل الأطفال لأنه لم يسمح لها علي امتداد ربع قرن أن تنشط خارج مقارها أو صحفها، في ظل قانون الطواريء فالاجتماعات العامة والمظاهرات والمسيرات والاضرابات ممنوعة، بالمخالفة للدستور، بسبب قانون الطواريء، حتي الحزب الوطني فهو الاكثر كساحا وشللا بسبب غياب المنافسة والندية، ولا أدل علي ذلك من أدائه الهزيل في آخر انتخابات برلمانية، حيث لم يحصل في جولتها الأولي عام 2000 علي أكثر من 37 في المائة من المقاعد، وكان عليه ان يغري أو يرشي، أو يضغط علي المستقلين الفائزين في تلك الانتخابات للانضمام الي الحزب الوطني، حتي تظل له الأغلبية !
|
نُشر هذا الخبر بتاريخ: |
05.10.2004 |
:Notizia pubblicata in data |
|
:: الموضوعات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع :: |
2006 © عرب.إت |
|
|
|
|
|
|
| Copyright © A R C O SERVICE 1996-2006. All rights reserved. Tutti i diritti riservati.
E-mail: info@arab.it Tel: + 39 010 5702411 / Fax: + 39 010 8682350
|
|
|