|
|
|
Archivio - أرشيف |
|
|
«لوشيا» و«جيوسبي»
|
|
«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت
|
عن الشرق الأوسط
يلومني البعض بأنني أكثر بالكتابة والحديث عن نفسي، وهذا صحيح إلى حد مزعج، ولكن إذا لم أتحدث عن نفسي أتحدث عمّن؟!، عن أم أربعة وأربعين مثلاً؟!، أم عن «زعيط ومعيط ونطاط الحيط»؟.. إنني أتحدث عنها لأنها هي الوحيدة في هذا العالم المضطرب، التي املكها وتملكني، صحيح أن هناك من يملكون شغاف قلبي، ولكنني أخاف عليهم من أن يجرحهم لساني الشديد الوطأة، والخارج عن كل الأعراف والقوانين..
لهذا تجدونني دائماً أتحدث عن تجاربي ومشاهداتي وسماعي وقراءتي، و«أغثكم» بين الحين والآخر بما اكتبه، فنفسي ما هي إلاّ «حقل تجارب»، غير أن ذلك الحقل للأسف ما هو إلا في «سبخة» مالحة.
مما قرأته أخيراً هي حكاية حقيقية، وهي لفتاة إيطالية يقال لها «لوشيا»، كانت تعيش مع أسرتها الفقيرة في قرية في الجنوب، وهذه الفتاة مثلما وصفوها كانت: ناعمة الشعر، لها عينان سوداوان واسعتان، يعني باختصار كانت طاغية الجمال، وكان شبان القرية يتوددون لها، ويتبعونها كظلها، وكانت تتلذذ بتعذيبهم وصدهم، وكان هناك خياط شاب «على قد حاله» هو الوحيد تقريباً الذي لم يخاطبها يوماً، أو يلق لها بالاً، مما أثار حفيظتها، وحاولت أن تتقرب له أو تغويه، غير انه كان مكباً على عمله دون الالتفات إلى أحد.. وعندما شارفت على اليأس، أتته في دكانه يوماً وسألته قائلة: ماذا يحملك على البقاء في هذه البلدة الصغيرة وأنت ماهر، لماذا لا تهاجر لينفتح المستقبل أمامك؟!، تلقى كلماتها بهز رأسه، ثم صمت دون أن يجيبها.
وحضر إلى القرية رجل ثري، كان قد هاجر إلى أميركا، وخطب تلك الفتاة، وكانت فرصة لها ولأهلها فوافقوا على تلك الخطبة، وحضروا للخياط الشاب لكي يحوك ثوب العرس، وفعلاً عمل لها فستاناً رائعاً، وتبرع به مجاناً ورفض أن يأخذ عليه أجراً، وتزوجت «لوشيا» وسافرت مع زوجها إلى أميركا، وأنجبت طفلتين، وانتكست تجارة زوجها بعد الحرب العالمية الثانية، وأغلق شركته وتراكمت عليه الديون، ومرض ثم مات، واضطرت هي أن تعيش مع بنتيها في غرفة متواضعة في أحد الأحياء الفقيرة بنيويورك، وكان أملها الوحيد هو أن تكمل بنتاها تعليمهما، وفي مناسبة دينية كان من المفروض على طالبات المدرسة التي تدرس فيها ابنتها الكبيرة، أن يلبسن أجمل ما عندهن من ملابس، ولم يكن عند الأم نقود كافية لتشتري بها، فتذكرت فستان عرسها، الذي ما زالت تحتفظ به، فأخذت تضيقه وتقصه وتدرز أطرافه لكي يلائم البنت، وإذا بها تجد في إحدى ثناياه ورقة صغيرة تكاد تضيع حروفها من تقادم الأعوام ومكتوب فيها: «سأحبك دائماً»، وكانت هذه الورقة من الخياط «جيوسبي»، فكاد يغمى عليها، وكتبت له خطاباً في قريتها التي تركتها في جنوب ايطاليا، غير أنه مرت عليها عدة اشهر ولم يردها أي جواب.
وفي أحد الأيام عندما عادت إلى منزلها، وإذا بها تجد رجلاً ينتظرها، فلما سلم عليها لم تعرفه لأول وهلة، إذ أن الشيب قد خالط شعره الأسود، وعندما تمعنت فيه وإذا هو «جيوسبي» الخياط، فرسالتها عندما وصلت إلى قريته، بعثوا بها إلى عنوانه في أميركا، حيث انه هاجر إلى هناك بناء على نصيحة «لوشيا»، وكانت المفاجأة أن دعاها للعشاء، وإذا بسيارة فاخرة تنتظرهما مع سائقها، وفي المطعم طلب يدها للزواج ووافقت، وانتقلت مع بنتيها للعيش معه في منزله الكبير، حيث انه أصبح يملك الملايين، ولديه المعامل، والمعارض والأسهم والعقارات، وهو لم يتزوج طوال تلك السنين، لأنه كان يحلم بـ«لوشيا»، واتته لوشيا أخيراً إلى حد باب بيته، دون أن يشعر..
هل عرفتم الآن أيها السادة، أن في الحب «مغناطيسية» أقوى من مغناطيسية الأرض؟!، إذا كنتم تعرفون ذلك «فبيض الله وجوهكم»، وإذا كنتم لا تعرفون فاضربوا رؤوسكم في أول حائط يقابلكم.
|
نُشر هذا الخبر بتاريخ: |
20.03.2006 |
:Notizia pubblicata in data |
|
:: الموضوعات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع :: |
2006 © عرب.إت |
|
|
|
|
|
|
| Copyright © A R C O SERVICE 1996-2006. All rights reserved. Tutti i diritti riservati.
E-mail: info@arab.it Tel: + 39 010 5702411 / Fax: + 39 010 8682350
|
|
|